الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح حالكَ، وأن يردَّك إليه ردّاً جميلاً، وأن يوفقنا وإيَّاك لما يحب ويرضى، واعلم: أن الصلاة أمرها عظيم عند الله تعالى ومكانتها كبيرة، وهي أول ما يُنظر فيه من أعمال المسلم يوم القيامة؛ فإن حافظ عليها فاز وربح، وإن ضيَّعها خاب وخسر.
قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
وفي (صحيح مسلم) من حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ بين الرجل وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَنْ تركها فقد كفر" (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه).
وفي (سنن ابن ماجه) وغيره، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تترك صلاةً مكتوبةً، فمن تركها متعمداً؛ فقد برئت منه الذمة" ... إلى غير ذلك من الأحاديث في تعظيم شأن الصلاة، وتوعُّد تاركها والمتهاون والمتساهل في أمرها.
ولا شك أن المواظبة على الصلاة هو عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد وصف الله الأخيار بأنهم {عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23]، ووصفهم بأنهم: {عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9].
وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى الولاة على الأقاليم بخصوص المحافظة على الصلاة؛ فقال: "إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمَنْ حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومَنْ ضيَّعها فهو لما سواها أضيع"، وقد جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حافظ عليها؛ كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومَنْ لم يحافظ عليها؛ لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً يوم القيامة، وحُشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبيِّ بن خلف" (رواه أحمد، والطبراني) في "الكبير" و"الأوسط"، و(ابن حبان) في "صحيحه"، وفرعون وهامان وقارون وأُبيِّ بن خلف هم أئمة الكفر والضلال والعياذ بالله.
وقد علّق الإمام ابن القيم على هذا الحديث بقوله: "فمن شغلته عن الصلاة رياسته؛ حُشر مع فرعون، ومن شغلته عن الصلاة وزارته؛ حُشر مع هامان، ومن شغلته عن الصلاة أمواله؛ حُشر مع قارون، ومن شغلته عن الصلاة إدارة تجارته وأعماله؛ حُشر مع أُبيّ بن خلف)).
وقد أعدَّ الله لمن لا ينتظم في الصلاة واديًا في جنهم وعذابًا شديدًا، فقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4-5]، قال ابن عباس: "تلك صلاة المنافق؛ يجلس يرقب قرص الشمس، ثم يصلي أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً "!!، وقال سعد بن أبي وقاص: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله الذين هم عن صلاتهم ساهون؟ قال: هم الذين وقتها" (رواه البيهقي)، وقال القاسم بن مخيمرة: أضاعوها: أخروها عن وقتها، ولو تركوها لكفروا. ذكره النحاس في معاني القرآن.
فعليكَ -أخي الكريم- أن تتدبر الآيات، وتتفحص تلك الأحاديث وأنت موقِنٌ مصدِّقٌ، وداوم على التضرع إلى الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويعينك على نفسك، ويوفقك للقيام بما افترضه عليك، والابتعاد عمَّا يسخطه.
ومما يُعينك على الانتظام في الصلاة ما يلي:
1- التوجُّه إلى الله بالدعاء، والحرص على متابعة المؤذِّن، وترديد: (لا حول ولا قوة إلا بالله) عند قول المؤذِّن: (حي على الصلاة، حي على الفلاح).
2- الابتعاد عن الذنوب؛ فإنها تقيِّد الإنسان وتبعده عن كل خير، وقد شكا رجلٌ للحسن البصري وقال له: "أحاول أن أنهض لصلاة الفجر، فلا أستطيع"! فقال له: "قيَّدتكَ الذنوب"!!
3- البعد عن رفقاء ومجالس السوء؛ فإن الإنسان يتأثر بجليسه وصاحبه ولا محالة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيَكَ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" (رواه البخاري ومسلم) من حديث أبي موسى.
4- البعد -كل البعد- عن وسائل الإعلام والفضائيات؛ فإن فيها شرّاً كثيراً، وملهاةً عن ذكر الله تعالى.
5- عمارة البيت بالقرآن وذكر الرحمن.
6- القراءة في أحوال السلف الصالحين، وكيف كان حالهم مع الصلاة والله أعلم..