منتديات بنوتات اون لاين للنساء فقط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

نورتي المنتدي يا زائرة ياريت تتفضلي بالتسجيل او بالدخول

مع تحيات ادارة المنتدي
منتديات بنوتات اون لاين للنساء فقط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

نورتي المنتدي يا زائرة ياريت تتفضلي بالتسجيل او بالدخول

مع تحيات ادارة المنتدي
منتديات بنوتات اون لاين للنساء فقط
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات بنوتات اون لاين للنساء فقط

منتديات بنوتات اون لاين للنساء فقط
 
الرئيسيةبوابة المنتديأحدث الصورمجلتناالتسجيلدخول
تم نقل المنتدي الي http://ahobak.koom.ma/montada/index.php

وتغيير اسمه الي بنات قمرات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» عجائب الدنيا السبع
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالثلاثاء 3 ديسمبر - 17:56 من طرف ضى القمر gogo

» قوانين قسم الازياء والموضه
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالسبت 7 يوليو - 22:23 من طرف كارما

» قوانين قسم الموبايل
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالأربعاء 4 يوليو - 8:32 من طرف كارما

»  انظمة فودافون
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالأربعاء 4 يوليو - 8:26 من طرف كارما

» صفات تخلى جوزك يحبك اكترررررررررررررررررررررررررررر
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالأربعاء 4 يوليو - 8:19 من طرف كارما

» قصة سيدنا موسي
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالإثنين 2 يوليو - 21:37 من طرف كارما

» اذكار المساء
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالإثنين 2 يوليو - 20:52 من طرف كارما

» اقتراحى
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالخميس 28 يونيو - 11:28 من طرف m!ss dalia

» تحذير هام جدا لكل لمن لديه غاز طبيعي في بيته
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو - 23:02 من طرف roaneta

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
m!ss dalia
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
batta2007
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
lolo wbs
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
خواطر وهمسات
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
كارما
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
ضى القمر gogo
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
صمت القمر
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
batot2000
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
زهرة الجنه
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 
سلمي
تفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Emptyتفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty 

 

 تفسير سورة الزخرف (السعدي)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
m!ss dalia
ربي يسر ولا تعسر♥مديره المنتدي♥
ربي يسر ولا تعسر♥مديره المنتدي♥
m!ss dalia


تفسير سورة الزخرف (السعدي) Jb12915568671
انثى
العذراء
492
15/09/2000
05/07/2011
24
مصر - الاسكندرية

تفسير سورة الزخرف (السعدي) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الزخرف (السعدي)   تفسير سورة الزخرف (السعدي) Icon_minitimeالسبت 11 فبراير - 13:15

تفسير سورة الزخرف (السعدي)
تفسير سورة الزخرف من الجزء 25....السعدي


مكية
‏[‏1ـ 5‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ * أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ‏}‏
هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين وأطلق، ولم يذكر المتعلق، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة‏.‏
‏{‏إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏}‏ هذا المقسم عليه، أنه جعل بأفصح اللغات وأوضحها وأبينها، وهذا من بيانه‏.‏ وذكر الحكمة في ذلك فقال‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ألفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الأذهان‏.‏
‏{‏وَإِنَّهُ‏}‏ أي‏:‏ هذا الكتاب ‏{‏لَدَيْنَا‏}‏ في الملأ الأعلى في أعلى الرتب وأفضلها ‏{‏لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ لعلي في قدره وشرفه ومحله، حكيم فيما يشتمل عليه من الأوامر والنواهي والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان‏.‏
ثم أخبر تعالى أن حكمته وفضله يقتضي أن لا يترك عباده هملا، لا يرسل إليهم رسولا، ولا ينزل عليهم كتابا، ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال‏:‏
‏{‏أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا‏}‏ أي‏:‏ أفنعرض عنكم، ونترك إنزال الذكر إليكم، ونضرب عنكم صفحا، لأجل إعراضكم، وعدم انقيادكم له‏؟‏ بل ننزل عليكم الكتاب، ونوضح لكم فيه كل شيء، فإن آمنتم به واهتديتم، فهو من توفيقكم، وإلا قامت عليكم الحجة، وكنتم على بينة من أمركم‏.‏
‏[‏6ـ 8‏]‏ ‏{‏وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ إن هذه سنتنا في الخلق، أن لا نتركهم هملا، فكم ‏{‏أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ‏}‏ يأمرونهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له، ولم يزل التكذيب موجودا في الأمم‏.‏
‏{‏وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ جحدا لما جاء به، وتكبرا على الحق‏.‏
‏{‏فَأَهْلَكْنَا أَشَدّ‏}‏ من هؤلاء ‏{‏بَطْشًا‏}‏ أي‏:‏ قوة وأفعالا وآثارا في الأرض، ‏{‏وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ أي‏:‏ مضت أمثالهم وأخبارهم، وبينا لكم منها ما فيه عبرة ومزدجر عن التكذيب والإنكار‏.‏
‏[‏9ـ 14‏]‏ ‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ‏}‏
يخبر تعالى عن المشركين، أنك لو ‏{‏سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ‏}‏ الله وحده لا شريك له، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات، العليم بظواهر الأمور وبواطنها، وأوائلها وأواخرها، فإذا كانوا مقرين بذلك، فكيف يجعلون له الولد والصاحبة والشريك‏؟‏‏!‏ وكيف يشركون به من لا يخلق ولا يرزق، ولا يميت ولا يحيي‏؟‏‏!‏
ثم ذكر أيضا من الأدلة الدالة على كمال نعمته واقتداره، بما خلقه لعباده من الأرض التي مهدها وجعلها قرارا للعباد، يتمكنون فيها من كل ما يريدون‏.‏
‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا‏}‏ أي‏:‏ جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار‏.‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏}‏ في السير في الطرق ولا تضيعون، ولعلكم تهتدون أيضا في الاعتبار بذلك والادكار فيه‏.‏
‏{‏وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ‏}‏ لا يزيد ولا ينقص، ويكون أيضا بمقدار الحاجة، لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع، ولا يزيد بحيث يضر العباد والبلاد، بل أغاث به العباد، وأنقذ به البلاد من الشدة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا‏}‏ أي‏:‏ أحييناها بعد موتها، ‏{‏كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ‏}‏ أي‏:‏ فكما أحيا الأرض الميتة الهامدة بالماء، كذلك يحييكم بعد ما تستكملون في البرزخ، ليجازيكم بأعمالكم‏.‏
‏{‏وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا‏}‏ أي‏:‏ الأصناف جميعها، مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، من ليل ونهار، وحر وبرد، وذكر وأنثى، وغير ذلك‏.‏ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ‏}‏ أي‏:‏ السفن البحرية، الشراعية والنارية، مَا تَرْكَبُونَ ‏{‏و‏}‏ من ‏{‏الأنعام ما تركبون لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ‏}‏
وهذا شامل لظهور الفلك ولظهور الأنعام، أي‏:‏ لتستقروا عليها، ‏{‏ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ‏}‏ بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها، والثناء عليه تعالى بذلك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ لولا تسخيره لنا ما سخر من الفلك، والأنعام، ما كنا مطيقين لذلك وقادرين عليه، ولكن من لطفه وكرمه تعالى، سخرها وذللها ويسر أسبابها‏.‏
والمقصود من هذا، بيان أن الرب الموصوف بما ذكره، من إفاضة النعم على العباد، هو الذي يستحق أن يعبد، ويصلى له ويسجد‏.‏
‏[‏15ـ 25‏]‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏}‏
يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين، الذين جعلوا للّه تعالى ولدا، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد، وإن ذلك باطل من عدة أوجه‏:‏
منها‏:‏ أن الخلق كلهم عباده، والعبودية تنافي الولادة‏.‏
ومنها‏:‏ أن الولد جزء من والده، واللّه تعالى بائن من خلقه، مباين لهم في صفاته ونعوت جلاله، والولد جزء من الوالد، فمحال أن يكون للّه تعالى ولد‏.‏
ومنها‏:‏ أنهم يزعمون أن الملائكة بنات اللّه، ومن المعلوم أن البنات أدون الصنفين، فكيف يكون لله البنات، ويصطفيهم بالبنين، ويفضلهم بها‏؟‏‏!‏ فإذا يكونون أفضل من اللّه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا‏.‏
ومنها‏:‏ أن الصنف الذي نسبوه للّه، وهو البنات، أدون الصنفين، وأكرههما لهم، حتى إنهم من كراهتهم لذلك ‏{‏إِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا‏}‏ من كراهته وشدة بغضه، فكيف يجعلون للّه ما يكرهون‏؟‏
ومنها‏:‏ أن الأنثى ناقصة في وصفها، وفي منطقها وبيانها، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ‏}‏ أي‏:‏ يجمل فيها، لنقص جماله، فيجمل بأمر خارج عنه‏؟‏ ‏{‏وَهُوَ فِي الْخِصَامِ‏}‏ أي‏:‏ عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام، ‏{‏غَيْرُ مُبِينٍ‏}‏ أي‏:‏ غير مبين لحجته، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره، فكيف ينسبونهن للّه تعالى‏؟‏
ومنها‏:‏ أنهم جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الله إِنَاثًا، فتجرأوا على الملائكة، العباد المقربين، ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل، إلى مرتبة المشاركة للّه، في شيء من خواصه، ثم نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية إلى مرتبة الأنوثية، فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه وعاند رسله‏.‏
ومنها‏:‏ أن اللّه رد عليهم بأنهم لم يشهدوا خلق اللّه لملائكته، فكيف يتكلمون بأمر من المعلوم عند كل أحد، أنه ليس لهم به علم‏؟‏‏!‏ ولكن لا بد أن يسألوا عن هذه الشهادة، وستكتب عليهم، ويعاقبون عليها‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم‏}‏ فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة، وهي حجة لم يزل المشركون يطرقونها، وهي حجة باطلة في نفسها، عقلا وشرعا‏.‏ فكل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه‏.‏
وأما شرعا، فإن اللّه تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله، فإن اللّه تعالى قد أقام الحجة على العباد، فلم يبق لأحد عليه حجة أصلا، ولهذا قال هنا‏:‏ ‏{‏مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏}‏ أي‏:‏ يتخرصون تخرصا لا دليل عليه، ويتخبطون خبط عشواء‏.‏
ثم قال‏:‏ ‏{‏أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ‏}‏ يخبرهم بصحة أفعالهم، وصدق أقوالهم‏؟‏ ليس الأمر كذلك، فإن اللّه أرسل محمدا نذيرا إليهم، وهم لم يأتهم نذير غيره، أي‏:‏ فلا عقل ولا نقل، وإذا انتفى الأمران، فلا ثَمَّ إلا الباطل‏.‏
نعم، لهم شبهة من أوهى الشُّبَه، وهي تقليد آبائهم الضالين، الذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل، ولهذا قال هنا‏:‏ ‏{‏بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ‏}‏ أي‏:‏ على دين وملة ‏{‏وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ أي‏:‏ فلا نتبع ما جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏
‏{‏وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا‏}‏ أي‏:‏ منعموها، وملأها الذين أطغتهم الدنيا، وغرتهم الأموال، واستكبروا على الحق‏.‏ ‏{‏إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏}‏ أي‏:‏ فهؤلاء ليسوا ببدع منهم، وليسوا بأول من قال هذه المقالة‏.‏
وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل‏.‏
ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة‏:‏ ‏{‏أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُم‏}‏ أي‏:‏ فهل تتبعوني لأجل الهدى‏؟‏ ‏{‏قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ‏}‏ فعلم بهذا، أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الباطل والهوى‏.‏
‏{‏فَانْتَقَمْنَا مِنْهُم‏}‏ بتكذيبهم الحق، وردهم إياه بهذه الشبهة الباطلة‏.‏ ‏{‏فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏}‏ فليحذر هؤلاء أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم ما أصابهم‏.‏
‏[‏26ـ 32‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ * وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏
يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب والمشركون، وكلهم يزعم أنه على طريقته، فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ‏}‏ الذين اتخذوا من دون اللّه آلهة يعبدونهم ويتقربون إليهم‏:‏
‏{‏إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏}‏ أي‏:‏ مبغض له، مجتنب معاد لأهله، ‏{‏إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي‏}‏ فإني أتولاه، وأرجو أن يهديني للعلم بالحق والعمل به، فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي، فـ ‏{‏سَيَهْدِينِ‏}‏ لما يصلح ديني وآخرتي‏.‏
‏{‏وَجَعَلَهَا‏}‏ أي‏:‏ هذه الخصلة الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة للّه وحده، والتبرِّي من عبادة ما سواه‏.‏
‏{‏كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏}‏ أي‏:‏ ذريته ‏{‏لَعَلَّهُم‏}‏ إليها ‏{‏يَرْجِعُونَ‏}‏ لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته، وتوصية بعض بنيه ـ كإسحاق ويعقوبـ لبعض، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ‏}‏ إلى آخر الآيات‏.‏
فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان‏.‏
فقال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُم‏}‏ بأنواع الشهوات، حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم، فلم تزل يتربى حبها في قلوبهم، حتى صارت صفات راسخة، وعقائد متأصلة‏.‏ ‏{‏حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ‏}‏ الذي لا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه‏.‏ ‏{‏وَرَسُولٌ مُبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ بين الرسالة، قامت أدلة رسالته قياما باهرا، بأخلاقه ومعجزاته، وبما جاء به، وبما صدق به المرسلين، وبنفس دعوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏
‏{‏وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ‏}‏ الذي يوجب على من له أدنى دين ومعقول أن يقبله وينقاد له‏.‏ ‏{‏قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ‏}‏ وهذا من أعظم المعاندة والمشاقة، فإنهم لم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه، بل ولا جحده، فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحا شنيعا، وجعلوه بمنزلة السحر الباطل، الذي لا يأتي به إلا أخبث الخلق وأعظمهم افتراء، والذي حملهم على ذلك، طغيانهم بما متعهم اللّه به وآباءهم‏.‏
‏{‏وَقَالُوا‏}‏ مقترحين على اللّه بعقولهم الفاسدة‏:‏ ‏{‏لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏}‏ أي‏:‏ معظم عندهم، مبجل من أهل مكة، أو أهل الطائف، كالوليد بن المغيرة ونحوه، ممن هو عندهم عظيم‏.‏
قال اللّه ردا لاقتراحهم‏:‏ ‏{‏أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ‏}‏ أي‏:‏ أهم الخزان لرحمة اللّه، وبيدهم تدبيرها، فيعطون النبوة والرسالة من يشاءون، ويمنعونها ممن يشاءون‏؟‏
‏{‏نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ‏}‏ أي‏:‏ في الحياة الدنيا، والحال أن رَحْمَةَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الدنيا‏.‏
فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد اللّه تعالى، وهو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، التي أعلاها النبوة والرسالة، أولى وأحرى أن تكون بيد اللّه تعالى، فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته‏.‏
فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير للأمور كلها، دينيها ودنيويها، بيد اللّه وحده‏.‏ هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح، الذي ليس في أيديهم منه شيء، إن هو إلا ظلم منهم ورد للحق‏.‏
وقولهم‏:‏ ‏{‏لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏}‏ لو عرفوا حقائق الرجال، والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل، وعظم منزلته عند اللّه وعند خلقه، لعلموا أن محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أعظم الرجال قدرا، وأعلاهم فخرا، وأكملهم عقلا، وأغزرهم علما، وأجلهم رأيا وعزما وحزما، وأ كملهم خلقا، وأوسعهم رحمة، وأشدهم شفقة، وأهداهم وأتقاهم‏.‏
وهو قطب دائرة الكمال، وإليه المنتهى في أوصاف الرجال، ألا وهو رجل العالم على الإطلاق، يعرف ذلك أولياؤه وأعداؤه، فكيف يفضل عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله‏؟‏‏!‏، ومن جرمه ومنتهى حمقه أن جعل إلهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب إليه صنما، أو شجرا، أو حجرا، لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، وهو كل على مولاه، يحتاج لمن يقوم بمصالحه، فهل هذا إلا من فعل السفهاء والمجانين‏؟‏
فكيف يجعل مثل هذا عظيما‏؟‏ أم كيف يفضل على خاتم الرسل وسيد ولد آدم ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏؟‏ ولكن الذين كفروا لا يعقلون‏.‏
وفي هذه الآية تنبيه على حكمة اللّه تعالى في تفضيل اللّه بعض العباد على بعض في الدنيا ‏{‏لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا‏}‏ أي‏:‏ ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع‏.‏
فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم‏.‏
وفيها دليل على أن نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية كما قال تعالى في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏
‏[‏33ـ 35‏]‏ ‏{‏وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏
يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئا، وأنه لولا لطفه ورحمته بعباده، التي لا يقدم عليها شيئا، لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما، ولجعل ‏{‏لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ‏}‏ أي‏:‏ درجا من فضة ‏{‏عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ‏}‏ على سطوحهم‏.‏
‏{‏وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ‏}‏ من فضة، ولجعل لهم ‏{‏زخرفا‏}‏
أي‏:‏ لزخرف لهم دنياهم بأنواع الزخارف، وأعطاهم ما يشتهون، ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفا عليهم من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا، ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعا عاما أو خاصا لمصالحهم، وأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، وأن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا، منغصة، مكدرة، فانية، وأن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لأن نعيمها تام كامل من كل وجه، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون، فما أشد الفرق بين الدارين‏"‏‏.‏
‏[‏36ـ 39‏]‏ ‏{‏وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ‏}‏
يخبر تعالى عن عقوبته البليغة، لمن أعرض عن ذكره، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَعْشُ‏}‏ أي‏:‏ يعرض ويصد ‏{‏عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ‏}‏ الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا،
‏{‏وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ‏}‏ أي‏:‏ الصراط المستقيم، والدين القويم‏.‏ ‏{‏وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له، وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا وهذا‏.‏
فإن قيل‏:‏ فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك‏؟‏
قيل‏:‏ لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر اللّه، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم‏.‏
فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر اللّه في الدنيا، مع قرينه، وهو الضلال والغيّ، وانقلاب الحقائق‏.‏
وأما حاله، إذا جاء ربه في الآخرة، فهو شر الأحوال، وهو‏:‏ إظهار الندم والتحسر، والحزن الذي لا يجبر مصابه، والتبرِّي من قرينه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ‏}‏
كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا‏}‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ‏}‏ أي‏:‏ ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب، أنتم وقرناؤكم وأخلاؤكم، وذلك لأنكم اشتركتم في الظلم، فاشتركتم في عقابه وعذابه‏.‏
ولن ينفعكم أيضًا، روح التسلي في المصيبة، فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا، واشترك فيها المعاقبون، هان عليهم بعض الهون، وتسلَّى بعضهم ببعض، وأما مصيبة الآخرة، فإنها جمعت كل عقاب، ما فيه أدنى راحة، حتى ولا هذه الراحة‏.‏ نسألك يا ربنا العافية، وأن تريحنا برحمتك‏.‏
‏[‏40ـ 45‏]‏ ‏{‏أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ * وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏}‏
يقول تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له، وأنهم لا خير فيهم، ولا فيهم زكاء يدعوهم إلى الهدى‏:‏ ‏{‏أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ‏}‏ أي‏:‏ الذين لا يسمعون ‏{‏أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ‏}‏ الذين لا يبصرون،
أو تهدي ‏{‏مَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ أي‏:‏ بَيِّنٌ واضح، لعلمه بضلاله، ورضاه به‏.‏
فكما أن الأصم لا يسمع الأصوات، والأعمى لا يبصر، والضال ضلالا مبينا لا يهتدي، فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم، بإعراضهم عن الذكر، واستحدثوا عقائد فاسدة، وصفات خبيثة، تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى، وتوجب لهم الازدياد من الردى، فهؤلاء لم يبق إلا عذابهم ونكالهم، إما في الدنيا، أو في الآخرة، ولهذا قال تعالى‏:‏
‏{‏فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ‏}‏ أي‏:‏ فإن ذهبنا بك قبل أن نريك ما نعدهم من العذاب، فاعلم بخبرنا الصادق أنا منهم منتقمون‏.‏
‏{‏أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُم‏}‏ من العذاب ‏{‏فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ‏}‏ ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله أو تأخيره، فهذه حالك وحال هؤلاء المكذبين‏.‏
وأما أنت ‏{‏فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ‏}‏ فعلا واتصافًا، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك‏.‏ ‏{‏إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء إذا علمت أنه حق وعدل وصدق، تكون بانيا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور‏.‏

‏{‏وَإِنَّهُ‏}‏ أي‏:‏ هذا القرآن الكريم ‏{‏لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ‏}‏ أي‏:‏ فخر لكم، ومنقبة جليلة، ونعمة لا يقادر قدرها، ولا يعرف وصفها، ويذكركم أيضا ما فيه الخير الدنيوي والأخروي، ويحثكم عليه، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه، ‏{‏وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ‏}‏ عنه، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم، أم لم تقوموا به فيكون حجة عليكم، وكفرا منكم بهذه النعمة‏؟‏
‏{‏وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏}‏ حتى يكون للمشركين نوع حجة، يتبعون فيها أحدا من الرسل، فإنك لو سألتهم واستخبرتهم عن أحوالهم، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله مع أن كل الرسل، من أولهم إلى آخرهم، يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏ وكل رسول بعثه الله، يقول لقومه‏:‏ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فدل هذا أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم، لا من عقل صحيح، ولا نقل عن الرسل‏.
[‏46ـ 56‏]‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ‏}‏ إلى آخر القصة‏.‏

لما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏}‏ بين تعالى حال موسى ودعوته، التي هي أشهر ما يكون من دعوات الرسل، ولأن اللّه تعالى أكثر من ذكرها في كتابه، فذكر حاله مع فرعون، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا‏}‏ التي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به، كالعصا، والحية، وإرسال الجراد، والقمل، إلى آخر الآيات‏.‏
‏{‏إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ فدعاهم إلى الإقرار بربهم، ونهاهم عن عبادة ما سواه‏.‏
‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ‏}‏ أي‏:‏ ردوها وأنكروها، واستهزأوا بها، ظلما وعلوا، فلم يكن لقصور بالآيات، وعدم وضوح فيها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا‏}‏
أي‏:‏ الآية المتأخرة أعظم من السابقة، ‏{‏وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ‏}‏ كالجراد، والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات‏.‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ إلى الإسلام، ويذعنون له، ليزول شركهم وشرهم‏.‏
‏{‏وَقَالُوا‏}‏ عندما نزل عليهم العذاب‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ‏}‏ يعنون موسى عليه السلام، وهذا، إما من باب التهكم به، وإما أن يكون هذا الخطاب عندهم مدحا، فتضرعوا إليه بأن خاطبوه بما يخاطبون به من يزعمون أنهم علماؤهم، وهم السحرة، فقالوا‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ‏}‏ أي‏:‏ بما خصك اللّه به، وفضلك به، من الفضائل والمناقب، أن يكشف عنا العذاب ‏{‏إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ‏}‏ إن كشف اللّه عنا ذلك‏.‏
‏{‏فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ‏}‏ أي‏:‏ لم يفوا بما قالوا، بل غدروا، واستمروا على كفرهم‏.‏ وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ‏}‏
‏{‏وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ‏}‏ مستعليا بباطله، قد غره ملكه، وأطغاه ماله وجنوده‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ‏}‏ أي‏:‏ ألست المالك لذلك، المتصرف فيه، ‏{‏وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي‏}‏ أي‏:‏ الأنهار المنسحبة من النيل، في وسط القصور والبساتين‏.‏ ‏{‏أَفَلَا تُبْصِرُونَ‏}‏ هذا الملك الطويل العريض، وهذا من جهله البليغ، حيث افتخر بأمر خارج عن ذاته، ولم يفخر بأوصاف حميدة، ولا أفعال سديدة‏.‏
‏{‏أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ‏}‏ يعني ـ قبحه اللّه ـ بالمهين، موسى بن عمران، كليم الرحمن، الوجيه عند اللّه، أي‏:‏ أنا العزيز، وهو الذليل المهان المحتقر، فأينا خير‏؟‏ ‏{‏و‏}‏ مع هذا فـ ‏{‏لا يَكَادُ يُبِينُ‏}‏ عما في ضميره بالكلام، لأنه ليس بفصيح اللسان، وهذا ليس من العيوب في شيء، إذا كان يبين ما في قلبه، ولو كان ثقيلا عليه الكلام‏.‏
ثم قال فرعون‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ‏}‏ أي‏:‏ فهلا كان موسى بهذه الحالة، أن يكون مزينا مجملا بالحلي والأساور‏؟‏ ‏{‏أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ‏}‏ يعاونونه على دعوته، ويؤيدونه على قوله‏.‏
‏{‏فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ‏}‏ أي‏:‏ استخف عقولهم بما أبدى لهم من هذه الشبه، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا حقيقة تحتها، وليست دليلا على حق ولا على باطل، ولا تروج إلا على ضعفاء العقول‏.‏
فأي دليل يدل على أن فرعون محق، لكون ملك مصر له، وأنهاره تجري من تحته‏؟‏
وأي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى لقلة أتباعه، وثقل لسانه، وعدم تحلية الله له، ولكنه لقي ملأ لا معقول عندهم، فمهما قال اتبعوه، من حق وباطل‏.‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ‏}‏ فبسبب فسقهم، قيض لهم فرعون، يزين لهم الشرك والشر‏.‏
‏{‏فَلَمَّا آسَفُونَا‏}‏ أي‏:‏ أغضبونا بأفعالهم ‏{‏انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ‏}‏ ليعتبر بهم المعتبرون، ويتعظ بأحوالهم المتعظون‏.‏
‏[‏57ـ 65‏]‏ ‏{‏وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا‏}‏ أي‏:‏ نهي عن عبادته، وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الأصنام والأنداد‏.‏ ‏{‏إِذَا قَوْمُكَ‏}‏ المكذبون لك ‏{‏مِنْهُ‏}‏ أي‏:‏ من أجل هذا المثل المضروب، ‏{‏يَصِدُّونَ‏}‏ أي‏:‏ يستلجون في خصومتهم لك، ويصيحون، ويزعمون أنهم قد غلبوا في حجتهم، وأفلجوا‏.‏
‏{‏وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ‏}‏ يعني‏:‏ عيسى، حيث نهي عن عبادة الجميع، وشورك بينهم بالوعيد على من عبدهم، ونزل أيضا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ‏}‏
ووجه حجتهم الظالمة، أنهم قالوا‏:‏ قد تقرر عندنا وعندك يا محمد، أن عيسى من عباد الله المقربين، الذين لهم العاقبة الحسنة، فلم سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع‏؟‏ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض‏.‏
ولم قلت‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ‏}‏ وهذا اللفظ بزعمهم، يعم الأصنام، وعيسى، فهل هذا إلا تناقض‏؟‏ وتناقض الحجة دليل على بطلانها، هذا أنهى ما يقررون به هذه الشبهة ‏[‏الذي‏]‏ فرحوا بها واستبشروا، وجعلوا يصدون ويتباشرون‏.‏
وهي ـ وللّه الحمدـ من أضعف الشبه وأبطلها، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح، وبين النهي عن عبادة الأصنام، لأن العبادة حق للّه تعالى، لا يستحقها أحد من الخلق، لا الملائكة المقربون، ولا الأنبياء المرسلون، ولا من سواهم من الخلق، فأي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره‏؟‏
وليس تفضيل عيسى عليه السلام، وكونه مقربا عند ربه ما يدل على الفرق بينه وبينها في هذا الموضع، وإنما هو كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ‏}‏
بالنبوة والحكمة والعلم والعمل، ‏{‏وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ يعرفون به قدرة الله تعالى على إيجاده من دون أب‏.‏
وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ‏}‏ فالجواب عنها من ثلاثة أوجه‏:‏
أحدها‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ أن ‏{‏ما‏}‏ اسم لما لا يعقل، لا يدخل فيه المسيح ونحوه‏.‏
الثاني‏:‏ أن الخطاب للمشركين، الذين بمكة وما حولها، وهم إنما يعبدون أصناما وأوثانا ولا يعبدون المسيح‏.‏
الثالث‏:‏ أن الله قال بعد هذه الآية‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ‏}‏ فلا شك أن عيسى وغيره من الأنبياء والأولياء، داخلون في هذه الآية‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ‏}‏ أي‏:‏ لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الأرض، ويكونون في الأرض حتى نرسل إليهم ملائكة من جنسهم، وأما أنتم يا معشر البشر، فلا تطيقون أن ترسل إليكم الملائكة، فمن رحمة الله بكم، أن أرسل إليكم رسلا من جنسكم، تتمكنون من الأخذ عنهم‏.‏
‏{‏وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ‏}‏ أي‏:‏ وإن عيسى عليه السلام، لدليل على الساعة، وأن القادر على إيجاده من أم بلا أب، قادر على بعث الموتى من قبورهم، أو وإن عيسى عليه السلام، سينزل في آخر الزمان، ويكون نزوله علامة من علامات الساعة ‏{‏فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا‏}‏ أي‏:‏ لا تشكن في قيام الساعة، فإن الشك فيها كفر‏.‏ ‏{‏وَاتَّبِعُونِ‏}‏ بامتثال ما أمرتكم، واجتناب ما نهيتكم، ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ موصل إلى الله عز وجل،
‏{‏وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ‏}‏ عما أمركم الله به، فإن الشيطان ‏{‏لَكُمْ عَدُوٌّ‏}‏ حريص على إغوائكم، باذل جهده في ذلك‏.‏
‏{‏وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ‏}‏ الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الآيات‏.‏ ‏{‏قَالَ‏}‏ لبني إسرائيل‏:‏ ‏{‏قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ‏}‏ النبوة والعلم، بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي‏.‏ ‏{‏وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏}‏ أي‏:‏ أبين لكم صوابه وجوابه، فيزول عنكم بذلك اللبس، فجاء عليه السلام مكملا ومتمما لشريعة موسى عليه السلام، ولأحكام التوراة‏.‏ وأتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له، وقبول ما جاءهم به‏.‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ‏}‏ أي‏:‏ اعبدوا الله وحده لا شريك له، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا بي وصدقوني وأطيعون‏.‏
‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ ففيه الإقرار بتوحيد الربوبية، بأن الله هو المربي جميع خلقه بأنواع النعم الظاهرة والباطنة، والإقرار بتوحيد العبودية، بالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وإخبار عيسى عليه السلام أنه عبد من عباد الله، ليس كما قال فيه النصارى‏:‏ ‏"‏إنه ابن الله أو ثالث ثلاثة‏"‏ والإخبار بأن هذا المذكور صراط مستقيم، موصل إلى الله وإلى جنته‏.‏
فلما جاءهم عيسى عليه السلام بهذا ‏{‏اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ‏}‏ المتحزبون على التكذيب ‏{‏مِنْ بَيْنِهِم‏}‏ كل قال بعيسى عليه السلام مقالة باطلة، ورد ما جاء به، إلا من هدى الله من المؤمنين، الذين شهدوا له بالرسالة، وصدقوا بكل ما جاء به، وقالوا‏:‏ إنه عبد الله ورسوله‏.‏
‏{‏فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا من عذاب يوم أليم‏}‏ أي‏:‏ ما أشد حزن الظالمين وما أعظم خسارهم في ذلك اليوم‏"‏‏.‏
‏[‏66ـ 73‏]‏ ‏{‏هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ما ينتظر المكذبون، وهل يتوقعون ‏{‏إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ‏}‏ أي‏:‏ فإذا جاءت، فلا تسأل عن أحوال من كذب بها، واستهزأ بمن جاء بها‏.‏
وإن الأخلاء يومئذ، أي‏:‏ يوم القيامة، المتخالين على الكفر والتكذيب ومعصية اللّه، ‏{‏بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ‏}‏ لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير اللّه، فانقلبت يوم القيامة عداوة‏.‏ ‏{‏إِلَّا الْمُتَّقِينَ‏}‏ للشرك والمعاصي، فإن محبتهم تدوم وتتصل، بدوام من كانت المحبة لأجله، ثم ذكر ثواب المتقين، وأن اللّه تعالى يناديهم يوم القيامة بما يسر قلوبهم، ويذهب عنهم كل آفة وشر، فيقول‏:‏ ‏{‏يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ‏}‏
أي‏:‏ لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب‏.‏
‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وكانوا مسلمين‏}‏ أي‏:‏ وصفهم الإيمان بآيات اللّه، وذلك ليشمل التصديق بها، وما لا يتم التصديق إلا به، من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها‏.‏ ‏{‏وَكَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ للّه منقادين له في جميع أحوالهم، فجمعوا بين الاتصاف بعمل الظاهر والباطن‏.‏
‏{‏ادْخُلُوا الْجَنَّةَ‏}‏ التي هي دار القرار ‏{‏أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُم‏}‏ أي‏:‏ من كان على مثل عملكم، من كل مقارن لكم، من زوجة، وولد، وصاحب، وغيرهم‏.‏ ‏{‏تُحْبَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ تنعمون وتكرمون، ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور والأفراح واللذات، ما لا تعبر الألسن عن وصفه‏.‏
‏{‏يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ‏}‏ أي‏:‏ تدور عليهم خدامهم، من الولدان المخلدين بطعامهم، بأحسن الأواني وأفخرها، وهي صحاف الذهب وشرابهم، بألطف الأواني، وهي الأكواب التي لا عرى لها، وهي من أصفى الأواني، من فضة أعظم من صفاء القوارير‏.‏
‏{‏وَفِيهَا‏}‏ أي‏:‏ الجنة ‏{‏مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ‏}‏ وهذا لفظ جامع، يأتي على كل نعيم وفرح، وقرة عين، وسرور قلب، فكل ما اشتهته النفوس، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولذته العيون، من مناظر حسنة، وأشجار محدقة، ونعم مونقة، ومبان مزخرفة، فإنه حاصل فيها، معد لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ‏}‏ ‏{‏وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة، وهو الخلد الدائم فيها، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته، وعدم انقطاعه‏.‏
‏{‏وَتِلْكَ الْجَنَّةُ‏}‏ الموصوفة بأكمل الصفات، هي ‏{‏الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ أورثكم اللّه إياها بأعمالكم، وجعلها من فضله جزاء لها، وأودع فيها من رحمته ما أودع‏.‏
‏[‏ ‏{‏لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ‏}‏ كما في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ‏}‏ ‏{‏مِنْهَا تَأْكُلُونَ‏}‏ أي‏:‏ مما تتخيرون من تلك الفواكه الشهية، والثمار اللذيذة تأكلون‏]‏ ولما ذكر نعيم الجنة، عقبه بذكر عذاب جهنم، فقال‏:‏
‏[‏74ـ 78‏]‏ ‏{‏إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَاكِثُونَْ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ‏}‏
‏{‏إِنَّ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ الذين أجرموا بكفرهم وتكذيبهم ‏{‏فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ‏}‏ أي‏:‏ منغمرون فيه، محيط بهم العذاب من كل جانب، ‏{‏خَالِدُونَ‏}‏ فيه، لا يخرجون منه أبدا
و‏{‏لَا يُفَتَّرُ عَنْهُم‏}‏ العذاب ساعة، بإزالته، ولا بتهوين عذابه، ‏{‏وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ‏}‏ أي‏:‏ آيسون من كل خير، غير راجين للفرج، وذلك أنهم ينادون ربهم فيقولون‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ‏}‏ وهذا العذاب العظيم، بما قدمت أيديهم، وبما ظلموا به أنفسهم‏.‏واللّه لم يظلمهم ولم يعاقبهم بلا ذنب ولا جرم‏.‏
‏{‏وَنَادَوْا‏}‏ وهم في النار، لعلهم يحصل لهم استراحة، ‏{‏يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ‏}‏ أي‏:‏ ليمتنا فنستريح، فإننا في غم شديد، وعذاب غليظ، لا صبر لنا عليه ولا جلد‏.‏ فـ ‏{‏قَالَ‏}‏ لهم مالك خازن النار ـ حين طلبوا منه أن يدعو اللّه لهم أن يقضي عليهم ـ ‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ‏}‏ أي‏:‏ مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غما إلى غمهم‏.‏
ثم وبخهم بما فعلوا فقال‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ‏}‏ الذي يوجب عليكم أن تتبعوه فلو تبعتموه، لفزتم وسعدتم، ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ‏}‏ فلذلك شقيتم شقاوة لا سعادة بعدها‏.‏
‏[‏79ـ 80‏]‏ ‏{‏أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ أم أبرم المكذبون بالحق المعاندون له ‏{‏أَمْرًا‏}‏ أي‏:‏ كادوا كيدا، ومكروا للحق ولمن جاء بالحق، ليدحضوه، بما موهوا من ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة الزخرف (السعدي)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة ق (السعدي)
» تفسير سورة الإخلاص (السعدي).
» تفسير سورة العصر (السعدي)
» تفسير سورة المسد (السعدي)
» تفسير سورة الأحقاف (السعدي)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بنوتات اون لاين للنساء فقط :: المنتدى الإسلامي :: القرآن الكريم-
انتقل الى: