المضادات الحيوية..ميكروبات متوحشة بأجسام الأطفال
حذرت دراسة علمية امريكيه من المبالغة في إعطاء المضادات الحيوية للأطفال، وذكرت الدراسه أن أطباء الأطفال في الولايات المتحدة الأميركية يكتبون سنويا أكثر من عشرة ملايين وصفة طبية بمضادات حيوية لا داعي لها لحالات مثل الأنفلونزا والربو.
تقوم الدراسة على عينة قوامها 65 ألف زيارة في العيادات الخارجية بمستشفيات الأطفال تحت سن 18 سنة في الفترة من عام 2006 وعام 2008، وتوصلت الدراسة إلى أن الأطباء وصفوا مضادات حيوية لحالة من كل خمس حالات وأن غالبية الحالات التي وصفت لها المضادات الحيوية كانت لأطفال يعانون من مشاكل في التنفس مثل التهاب الجيوب الأنفية والالتهاب الرئوي.
وقال المشرف على الدراسة إن التشخيص غير الواضح هو أحد أسباب الوصف غير الضروري للمضادات الحيوية ، لكن من باب الاحتياط فقط يقرر الطبيب إعطاء المضاد الحيوي .
أما "بيتسي فوكسمان" المتخصصة في علم الأوبئة تقول إننا نرى المضادات الحيوية على أنها مفيدة تماما لكن المضادات ليست دقيقة بمعنى أنها تصيب كل شىء في أجسامنا فتجعل بعض الجراثيم التي يفترض أن تظل في جسدنا تختفي وهو ما يجعلنا نسبب لأنفسنا مشاكل صحية أخرى لا نعلم عنها شيئا.
وفي تعليقها على نتائج الدراسة، تقول د.هناء القراقصي أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهر: الدراسة تنطبق على العالم كله وليس الولايات المتحدة وحدها، فمثلا عند مطابقتها في مصر سنجد أن الوضع أسوأ بكثير، فبالإضافة إلى الأخطاء الخاصة بالأطباء وتساهلهم في وصف المضادات الحيوية ، إلا أننا لدينا مشكلة أخرى فأي شخص يستطيع الذهاب إلى الصيدلية ويشترى المضادات الحيوية بنفسه .
أما بالنسبة للأطباء فحدث ولا حرج، فهم يصفون المضادات الحيوية للأطفال في أحيان كثيرة استجابة لضغط الأمهات، فكثير من الأمهات يسألن الطبيب: هل ستكتب لإبني مضاد حيوي وكأنها أصبحت طبيبة وتعرف كل شىء. وهنا لا يجد الطبيب المعالج بد من كتابة المضاد حتى لا يفقد "زبونة" عيادته الخاصة وحتى لا تقول عليه الأمهات أنه طبيب فاشل. لذا فنحن لدينا تسيب من جميع الجهات من الأطباء ومن الأهل ومن القوانين وكل شىء.
وتضيف أن الأطفال عادة ما يصابوا خلال العام الواحد بخمسة أو ثمانية أدوار فيروسية، ومن المعروف أن الفيروسات تأخذ دورتها في جسم الانسان وتنتهي، والفيروسات لا تعالج أبدا بالمضادات الحيوية. لذا فنحن في حاجة إلى تغيير الوعي لدى الناس فبدلا من ثقافة اعطاء المضادات "عمال على بطال" المفروض كل أم تذهب بإبنها إلى الطبيب تسأله: هل ابني بحاجة فعلية إلى المضاد الحيوي؟.
هناك نقطة هامة أخرى متعلقة بمسألة التأكد من التشخيص ومن ثم وصف المضادات الحيوية وهي أنها تحتاج من الطبيب المعالج أن يطلب من الأهل إجراء بعض الفحوصات وعمل تحاليل طبية أو عمل مزرعة للتأكد، وهذا مكلف في بعض الأحيان لبعض الأهالي، لذا يستسهل الطبيب ويصف المضاد فإن كان الطفل لديه التهاب عالجه بالمضا وإن كان لديه فيروس فسيأخذ وقته ويشفى الطفل، ولكن ما نتحدث عنه هو صحة أطفالنا ويجب أن نعتني بها حتى ولو كانت مكلفة.
وعن أضرار وصف المضادات الحيوية للأطفال عندما لا يكونون في حاجة إليها فحدث ولا حرج، فهي تعزز من خطر العدوى المقاومة للمضادات الحيوية بالنسبة للأطفال أنفسهم وبالنسبة للمجتمع ككل، فمعروف أن المضادات تقتل البكتيريا الضعيفة وتجعل القوي منها أكثر قوة فلا تتأثر مرة أخرى بتلك المضادات لأنها تعرضت لها من قبل. فنحن للأسف نربي بأيدينا ميكروبات مستوحشة ومقاومة، وهذا يجعل من الإنسان داخل النظام البيئي عنصرا ضعيفا قابلا للهجوم عليه من قبل الكائنات الأضعف في الكون وهي الميكروبات.
لذا يجب ألا نصف المضادات الحيوية للأطفال إلا في حدود المسموح به، فقديما كانوا يطلقون على الطبيب اسم "الحكيم" لأن الطبيب يجب أن يكون حكيما في استعمالاته وتشخيصه ووصفه للدواء وكل شىء.